القرآن هو الناموس الالهي الذي تكفل للناس بإصلاح الدين والدنيا ، وضمن لهم
سعادة الآخرة والاولى ، فكل آية من آياته منبع فياض بالهداية ومعدن من
معادن الارشاد والرحمة ، فالذي تروقه السعادة الخالدة والنجاح في مسالك
الدين والدنيا ، عليه أن يتعاهد كتاب الله العزيز آناء الليل وأطراف النهار
، ويجعل آياته الكريمة قيد ذاكرته ، ومزاج تفكيره ، ليسير على ضوء الذكر
الحكيم إلى نجاح غير منصرم وتجارة لن تبور .
أن القراءة في المصحف سبب
لحفظ البصر من العمى والرمد ، أو يراد منها أن القراءة في المصحف سبب لتمتع
القارئ بمغازي القرآن الجليلة ونكاته الدقيقة ، لان الانسان عند النظر إلى
ما يروقه من المرئيات تبتهج نفسه ، ويجد انتعاشا في بصره وبصيرته
وكذلك
قارئ القرآن إذا سرح بصره في ألفاظه ، وأطلق فكره في معانيه وتعمق في
معارفه الراقية وتعاليمه الثمينة يجد في نفسه لذة الوقوف عليها ، ومتعة
الطموح إليها ، ويشاهد هشة من روحه وتطلعا من قلبه . وقد أرشدتنا الاحاديث
الشريفة إلى فضل القراءة في البيوت . ومن أسرار ذلك إذاعة أمر الاسلام ،
وانتشار قراءة القرآن ، فإن الرجل إذا قرأه في بيته قرأته المرأة ، وقرأه
الطفل ، وذاع أمره وانتشر .أما إذا جعل لقراءة القرآن أماكن مخصوصة فإن
القراءة لا تتهيأ لكل أحد ، وفي كل وقت ، وهذا من أعظم الاسباب في نشر
الاسلام . ولعل من أسراره أيضا إقامة الشعار الالهي ، إذا ارتفعت الاصوات
بالقراءة في البيوت بكرة وعشيا ، فيعظم أمر الاسلام في نفوس السامعين لما
يعروهم من الدهشة عند ارتفاع أصوات القراء في مختلف نواحي البلد .ومن آثار
القراءة في البيوت ما ورد في الاحاديث : " إن البيت الذى يقرأ فيه القرآن
ويذكر الله تعالى فيه تكثر بركته ، وتحضره الملائكة ، وتهجره الشياطين ،
ويضئ لاهل السماء كما يضئ الكوكب الدري لاهل الارض ، وان البيت الذي لا
يقرأ فيه القرآن ، ولا يذكر الله تعالى فيه تقل بركته ، وتهجره الملائكة ،
وتحضره الشياطين "
التدبر في القرآن ومعرفة تفسيره :
ورد الحث الشديد
في الكتاب العزيز ، وفى السنة الصحيحة على التدبر في معاني القرآن والتفكر
في مقاصده وأهدافه .
قال الله تعالى : " أفلا يتدبرون القرآن أم
على قلوب أقفالها 47 : 24 " . وفى هذه الآية الكريمة توبيخ عظيم على ترك
التدبر في القرآن .
وفي الحديث عن ابن عباس عن النبي - ص - أنه
قال : " أعربوا القرآن والتمسوا غرائبه " .
وعن ابي عبد الرحمن السلمي
قال : " حدثنا من كان يقرئنا من الصحابة انهم كانوا يأخذون من رسول الله - ص
- عشر آيات فلا يأخذون في العشر الاخرى حتى يعلموا ما في هذه من العلم
والعمل " ( 2 ) .
وعن عثمان وابن مسعود وأبي : " ان رسول الله -
ص - كان يقرئهم العشر فلا يجاوزونها إلى عشر اخرى حتى يتعلموا ما فيها من
العمل فيعلمهم القرآن والعمل جميعا " ( 1 ) .
وعن علي بن أبي
طالب عليه السلام أنه ذكر جابر بن عبد الله ووصفه بالعلم ، فقال له رجل :
جعلت فداك تصف جابرا بالعلم وأنت أنت ؟ فقال : إنه كان يعرف ( 2 ) تفسير
قوله تعالى : " إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد 28 : 85 " .
والاحاديث
في فضل التدبر في القرآن كثيرة . ففي الجزء التاسع عشر من بحار الانوار
طائفة كبيرة من هذه الاحاديث ، على أن ذلك لا يحتاج إلى تتبع أخبار وآثار ،
فإن القرآن هو الكتاب الذي أنزله الله نظاما يقتدي الناس به في دنياهم ،
ويستضيؤن بنوره في سلوكهم إلى اخراهم .
وهذه النتائج لا تحصل
إلا بالتدبر فيه والتفكر في معانيه . وهذا أمر يحكم به العقل . وكل ما ورد
من الاحاديث أو من الآيات في فضل التدبر فهي ترشد إليه .
ففي
الكافي بإسناده عن الزهري . قال : سمعت علي بن الحسين عليهما السلام يقول :
" آيات القرآن خزائن فكلما فتحت خزينة ينبغي لك أن تنظر ما فيها " ( 3 ) .