صرحٌ لا يتصدََّع بنيانه
الأخوةفي الدين أساس من الأسس المتينة التي أرساها الإسلام في المجتمع المسلم ، بل لقد عدها بعض علمائنا مقصدا من مقاصد الشريعة الغراء .
فنصوص القرآن والسنة ربطت بين المؤمنين برباط مقدس متين ، عظمت به حق المسلم على أخيه المسلم، وبنت عليه كمال الإيمان ، واستحقاق الثواب العظيم .
قال تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (الحجرات:10). ...
وقال سبحانه :َالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ).(التوبة:71)
وقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ :"ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم به ". صححه الألباني : 5505 في صحيح الجامع.
وعن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا تصاحب إلا مؤمنا ولا يأكل طعامك إلا تقي ".سنن أبي داود قال الشيخ الألباني : حسن.
وعن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه أو قال لجاره ما يحب لنفسه ". رواه مسلم.
وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " والله لا يؤمن .. والله لا يؤمن .. والله لا يؤمن .." قالوا : وما ذاك يا رسول الله ؟ قال: " الجار لا يأمن جاره بوائقه "، قالوا : يا رسول الله وما بوائقه ؟ قال : " شره ".
وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "المؤمن للمؤمن كالبنيان يَشُدُّ بعضُه بعضاً– وشبك بين أصابعه ـ" متفق عليه.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "حق المسلم على المسلم ست: قيل: وما هنّ يا رسول الله؟ قال: إذا لقيته فسلّم عليه. وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح له، وإذا عطس فحمد الله فشَمِّته. وإذا مرض فعُدْه، وإذا مات فاتْبَعه" رواه مسلم...إلى غيرها من النصوص الدالة على عظم هذا المبدأ الإسلامي السامي .
أثر الدعاء بظهر الغيب
ولقدحرص ديننا الإسلامي على جعل الأخوة بين أبنائه شعورا نفسيا ملازما لهم في جميع أحوالهم وأعمالهم ، يدل على ذلك تلك السنة التي علمنا إياها وحضنا عليها رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ، و هي " الدعاء للمسلم بظهر الغيب " هذه السنة العظيمة التي عمقت النسب الروحي بين المؤمنين في كل زمان ومكان تعارفوا أم لم يتعارفوا :
إن يختلف ماء الوصال فماؤنا ***** عذب تحدر من غمام واحد
أو يفترق نسب يوحد بيننا ***** دين أقمناه مقام الوالد
والدعاء بظهر الغيب هو أن يدعو المسلم لأخيه المسلم في غيبته، وهذه السنة الحسنة درج عليها الأنبياء والصالحون، فهم يحبون لإخوانهم المؤمنين الخير، ويدعون لهم حال غيبتهم عندما يدعون لأنفسهم، ولما في ذلك من المحبة للمؤمنين وإرادة الخير لهم والإخلاص لله في ذلك فإن الملائكة تؤمن على الدعاء،وتدعو للداعي بمثل ما دعا لأخيه.
قال الله تعالى : {وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلاتَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُوا} .
وقال إخباراً عن إبراهيم عليه السلام: {رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الحساب {.
وقال تعالى عن نوح عليه السلام: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} .
وقال تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: {وَاسْتَغْفِر ْلِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} .
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من عبد مسلم يدعو لأخيه بظهر الغيب إلا قال الملك: ولك بمثل" أخرجه مسلم.
وفي رواية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: "دعوة المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة، عند رأسه ملك موكَّل كلما دعا لأخيه بخير قال الملك الموكل به: آمين و لك بمثله".
هكذايرغب النبي صلى الله عليه وسلم أتباعه في الدعاء لإخوانهم بظهر الغيب ،
وهكذا يربط الإسلام بين لبناته وأعضائه ليبني للمسلمين صرحا لايتصدع بنيانه .
فما أعظمه وأشرفه من دين أسس لنا أسس الحياة السعيدة ، على تكامل بديع وتناسق عجيب ،( صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ ).
الله ما أجملها من أخوة,أخوة في الله ممزوجة بالإيمان